رواية غير قابل للحب بقلم منال سالم
بالفعل صفقة مربحة لمن حولي فيما عدا أنا وشقيقتي بالنسبة لنا كان اتفاق المۏت كان على قلبي هم ثقيل حين فتح باب الغرفة ليظهر مكسيم أمامي بنظراته المبهورة لهيئتي في هذه اللحظة كنت ممتنة لاقتراح والدتي بوضع هذا الحجاب الشفاف على وجهي لأخفي ورائه ما ينعكس عليه من تعاسة واضحة تقدمت بخطوات شبه مترددة كأني أساق إلى المۏت لا إلى حفل زفافي المنتظر. ارتفع وجيب قلبي وصمت دقاته أذناي لكني مضطرة للمضي قدما حتى نهاية المطاف. تنهدت في عمق وتكلمت مع نفسي في رجاء
مداعبة رقيقة من والدتي على وجنتي جعلتني ابتسم في لطافة خبأت خلفها التخبط السائد في مشاعري من جديد سحبت نفسا عميقا لفظته على مهل ثم رسمت بسمة مهذبة على ثغري عندما غدوت في مواجهة مكسيم فالأخير قد ألقى نظرة فاحصة مدققة لتبين مدى سعادتي من وراء الحائل القماشي الذي أضعه أثنى علي بعبارات المدح والإعجاب فضحكت والدتي في مرح وقالت
أيد كلامها قائلا
بالطبع ف فيجو لن يرتضي بأقل من هذا!
في نظر من حولي كنت البضاعة المناسبة والتي تم دفع ثمنها مسبقا بأرواح مذنبة وبريئة حاولت ألا أجعل يأسي يسيطر على مشاعري فأنا بحاجة للتسلح بالثبات الانفعالي طوال فترة إقامة الحفل. تأبطت ذراعه لأسير معه نحو الخارج حيث ينتظرني الحضور من أهم القادة وأتباعهم المخلصين.
أنت ستكونين سيدة بيت أل سانتوس فوق رؤوس الجميع...
نظرت إليه نظرة سريعة قبل أن أتطلع أمامي فأكمل جملته المشروطة
فقط إن حرصتي على إسعاد ابني وجئت لي بالوريث المنتظر.
إنه يطلب المستحيل من شخص أخشاه في وجوده وفي غيابه أما الجزئية الأخرى فلم أحاول مطلقا التفكير فيها إنها لأمر مخجل. أرهفت السمع إليه مرة ثانية وهو يتابع إملاء أوامره
تساءلت مع نفسي في سخرية مريرة
هل أنت تطمئنني أم تزيد من هلعي
واصل مكسيم الكلام وهو يسحبني في تؤدة نحو الحديقة المعدة لمراسم إتمام عهود الزواج
لقد بذلت والدتك مجهودا مضنيا لإخراجه بهذه الصورة.
سواء من خلال الاستعانة بنماذج من التماثيل الرخامية ذات التصاميم البديعة والمميزة أو من طريقة توضيب المائدات وملئها بكل ما هو إيطالي المذاق.
أيضا اقترحت والدتي على المصممة تجهيز ممر بين الخضرة العشبية من الورود المتفاوتة في درجة حمرتها على أن تكون الغلبة للون القاني على فرش من اللون الأبيض فيبدو المزيج بينهما خلابا وعلى الجانبين تم وضع أكاليل من الأزهار في أوعية فخارية لأتمكن من المشي في المنتصف كملكة متوجة بثوبها الأبيض الناصع وجمالها الآخاذ.
تخيلت نفسي كقربان تم اختياره من قبل كهنة المعابد قديما من أجل الټضحية به للظفر برضا الآلهة ويا له من تشبيه جعل بدني يقشر ونبضاتي تزداد على اضطرابها اضطرابا. انتبهت ل مكسيم وهو يشيد بالمجهود المبذول لتغيير ما اعتبره مكانا عاديا ليصبح ملائما للزفاف وأخبرته في إيجاز
إنها تحب ذلك.
أيد قولي قائلا بفتور أزعجني قليلا
أرى هذا بوضوح.
كنت كمن يسير لوقت طويل مسافة أميال لا بضعة أمتار معدودة بذلت ضعف المجهود المعتاد لأحافظ على رباطة جأشي وهدوئي لكن ما لبث أن تبدد ذلك في لمح البصر حين اقتربت من المدخل المزدان فجأة صدحت موسيقى الزفاف الشهيرة لتنبه الجميع بوصولي مما جعل أنفاسي تختلج ونظراتي تتسع وقلبي يخفق. ارتبكت خطواتي وتصلبت مبهوتة مرتعدة من التقدم للأمام فشد مكسيم من جذبه لي هاتفا بلهجة آمرة
هيا لا تقفي هكذا.
ارتعش صوتي للغاية وأنا أعترف له
أنا خائڤة.
ظهر الضيق على وجهه وقال كأنما ينهرني في غير تعاطف
كفي عن تلك السخافة!
زويت ما بين حاجبي في استياء فأنا لم أكن أتدلل وإنما كل ما احتجت إليه بضعة كلمات مطمئنة لا أكثر ولا أقل مما قد يردده الآباء لبناتهن في مثل هذه المواقف الخاطفة للأنفاس لكني لم أجد هذا منه! ولم أتوقع أن يفعل! ومع ذلك أصابني تصرفه بإحساس الخزلان شعرت بقبضته تقسو على يدي المرتجفة فنظرت إليه في تحير لأجده يخاطبني في لهجة آمرة
سيري في خيلاء أنت من الآن فصاعد زوجة الزعيم فيجو لا تطأطئي رأسك ولا تظهري ضعفك!
لم أتفوه بشيء فصاح مجددا في تبرم
هل سمعت ما قلت
أجبت بنفس الصوت المرتعش
نعم.
دمدم في تجهم كان منتشرا على قسمات وجهه قبل الشعور به في نبرته
لا ينقصنا سوى الدلال الساذج الآن.
توبيخه القاسې زاد من شعوري بالبؤس وكأنه منحني سببا آخرا لمضاعفة أحزاني وتعميقها فعلقت بلا صوت
يا لحظي البائس!
كانت قبضته لا تزال قاسېة على ذراعي ولم أجرؤ على إظهار ألمي ظلت نظراتي ثابتة ناحيته وقد تحولت لهجته للشدة وهو يخبرني
تذكري أن فيجو لا يحب الضعاف وإن رأى منك ما يغضبه فصدقيني لن يتردد في التخلص منك.
إنه حقا يتعمد إرهابي بعباراته اللاذعة سكت كالعادة وأبقيت على صمتي فتابع على نفس النهج الصارم بشيء من الفجاجة
اهتمي به كزوجة أقرب للعشيقة حتى لا
يمل منك.
اتسعت عيناي في استهجان فأكمل ببسمة سخيفة
هو ماهر مع النساء ولا يقبل بالساذجات مدعيات البراءة.
تلونت بشرتي بحمرة حرجة فهناك تلميح مبطن في عباراته الموجهة رمشت بعيني متسائلة بصوت لم يتجاوز جوفي
ما الذي يقوله هذا كيف يحادثني بهذه الجرأة
هتف بي مشددا
لن أكرر كلامي مرتين.
لم أكن لأجادله أو حتى أجهد نفسي بالتعليق اكتفيت بهز رأسي كتعبير عن طاعتي الصاغرة له ليظن أنه نجح في إخضاعي بتعليماته الصارمة لكنها كانت مجرد شارات إنذار بأن مهمتي ليست باليسيرة مطلقا.
الجمال الخائڤ هذا ما كنت أصف به نفسي دوما وأنا أقترب من حافة النهاية لكل ما هو جيد في حياتي السابقة فالمتوقع للقادم أن يكون على النقيض كليا عما اعتدت عليه. حين أصبحت مرئية للمدعوين نهضوا قياما لاستقبالي بالتصفيقات والهمهمات الجانبية كانت الأصوات قريبة لكنها متداخلة لا أستطيع التمييز بينها سمعت مكسيم يخاطبني من أسفل بسمته المتكلفة
لا تحني رأسك سيري في علو ولا تلوحي لأحد.
نظرت له من طرف عيني لأجده لا يتطلع إليه ومع ذلك امتثلت لأمره قائلة بصوت مرتعش
حسنا.
اتبعت تعليماته ورحت أسير في شيء من الترفع ثم تجولت سريعا بنظراتي على الأعين المتطلعة إلي في فضول شعرت في قرارة نفسي بأنها نفس الأعين التي رأيتها في حفل الزفاف المشؤوم الذي حضرته عندما وطأت هذه البلد مع فارق كبير أني اليوم العروس التعسة هسهست متهكمة في غير صوت
وكأن مهمتهم هي حضور الأفراح الزائفة!
اللكنة الإيطالية ظهرت في بعض الكلمات المهنئة والمباركة ل مكسيم عني بحفاوة لافتة للأنظار وكأنه من سيتزوج لا أنا كان من الواضح للعيان أن لا يوجد من يقيم وژنا لشخصي بالطبع إنه يستحق كل التبجيل والتوقير فهو من بيده زمام الأمور وكلمة واحدة منه تعني الحكم النافذ على أحدهم على عكسي أنا التي أشبه قطعة الشطرنج يحركونها كيفما شاءوا. أثنى على طاعتي قائلا
جيد استمري على هذا المنوال.
لم أضف شيئا وتابعت أداء دوري ببراعة لكن بتفكيري السطحي ذلك كنت أحاول الابتعاد عن مواطن الخۏف خاصة وأنا أعلم جيدا أنه في نهاية هذا الممر ينتظرني. انقبض قلبي بشدة وشعت الرجفات الموترة في كياني سعيت لإخفائها تحت ابتسامات رقيقة صغيرة ومرسومة بعناية لأبدو في نظر من يبصرني العروس الخجلى لا المرتاعة الفزعة!
خلف الستر الشفاف الذي يحجب نظراتي أبصرت فيجو واقفا في شموخ وعلو لا ينظر ناحيتي وإنما يخاطب ابن عمه السقيم الواقف إلى جواره رغما عني لعنت الأخير في سخط
اللعېن ليت أحدهم يغرز وتدا في قلبه فنستريح.
عدت لتأمل من يتواجد في المقدمة فرأيت القس واقفا في المنتصف وفي يده الكتاب المقدس وعلى وجهه ابتسامة وقورة مقتضبة أما عن يمينه فوقفت الوصيفات الفاتنات كن حقا لافتات للنظر باحثات عن الزوج المناسب من بين هؤلاء المدعوين وكان من
بينهن شقيقتي لم تكن بباسمة أو حتى مبتهجة كنت أشعر بحنقها ينبثق من داخلها ولم تسع لمداراته بل أرادت أن تظهر نقمها في صورة هذا الوجوم المرئي.
انخلع قلبي مرة ثانية بقوة عندما عاودت النظر ناحية فيجو شعرت بارتفاع دقاته وبقصف يدوي بين ضلوعي خاصة حين وجدته يحدق بي بنظرات قوية ثابتة تكاد تنفذ إلى ما بداخلي فذبذبت كامل وجداني رهبة منه. تردد صوت في عقلي
المۏت قادم لا محالة!
حاولت تحفيز نفسي على الصمود فقلت دون كلام
لا تخشيه أنت قادرة على التعامل معه سيذوب بين يديك!
هل أصدق ما أفوه به حقا أم أنه مجرد هراء فارغ أخدع به نفسي البائسة لم أستطع نفض مخاۏفي عن عقلي وتركتها تسيطر على تفكيري وتزداد في تأثيرها خاصة مع وصولي إلى مكان تلاوة عهود الزواج.
بعض المواقف لا تحتاج لوصف دقيق أو مسهب لشرحها لأنك ببساطة لا تجد الكلمات المناسبة للتعبير عنها هذا ما كنت أمر به حاليا ففي الطبيعي أن تشعر العروس بخليط من المشاعر المرتبكة الخجلى الحائرة ويفوقها الخۏف الغريزي من شيء جديد مجهول هي مقبلة عليه فماذا عن مصير محتوم تعرف نهايته
أوصلني مكسيم إلى نهاية الممر ثم يد يده لمصافحة ابنه بعد أن أكمل دوره وراح يبادله بعض العبارات في فخر واعتزاز قبل أن ينسحب من المكان ليتركني معه ورغم الحشد المراقب لنا إلا أني أحسست بالوحدة الممزوجة بالارتياع تواجهت نظراتي التائهة مع نظراته الغامضة حين استدرت ووقفت قبالته كان كمن يفحصني تحت المجهر لم أستطع تبين ردة فعله حين رآني كعروس جميل للوهلة الأولى حيث كنت غالبية الوقت أنظر في أي اتجاه سواه وعندما واتتني الفرصة تشجعت وحملقت فيه وجهه بدا غير مقروء التعبيرات وعيناه تبعثان على المزيد من مزيج يجمع بين الرهبة والارتباك. هناك شيء شعرت به في لحظة خاطفة حين دفعتني إحدى الوصيفات من ظهري لأقترب أكثر منه كانت المسافة الفاصلة بيننا محدودة لكنها كفيلة برؤية إحدانا للآخر بوضوح.
ظل فيجو على غموضه المثير وأنا بقيت على تلبكي المحير أخفضت رأسا حرجا من الموقف برمته