رواية الدهاشنة لايه محمد
كده..
ربت سليم على كتفيه بابتسامة هادئة ثم آشار للشباب قائلا
_ساعدوا الرجالة في تطفية الڼار...
وبالفعل اتجه الشباب لمعاونة الرجال الذي اجتمعوا من إنحاء القرى حينما علت ألهبة النيران فجعلت الأمر ملحوظا من جميع المنازل المحاطة بالسرايا لذا هموا جميعا لمساعدة كبيرهم وعائلته.
لم يكن الأمر بالهين فكانت النيران من أخطر ما يكون وقد نجحت في تأكل السرايا بأكملها حتى الحوائط السميكة مجرد تخيل ما قد يصيب إنسان عالق بها كان يجحظ لها العقل فقد استغرق لإطفائها أكثر من خمسة ساعات متواصلة حتى نجح الشباب أخيرا في اخماد تلك النيران التي كان منبعها من نفوس مريضة تربت على زرع الكره والحقد بداخل نسلها المړيض وها قد لقت ما يليق بشړ مثلها ارتمى جسد بدر بانهاك وإتبعه أحمد وعبد الرحمن حتى آسر القى القدح الذي يملأه المياه أرضا ليستكين جوار آيان ويحيى ونظراتهم جميعا تتطلع تجاه السرايا التي بات الشحم الأسود يغلفها فقال يحيى بنبرة نجحت بنقل ارهقه الشديد
أجابه آسر ونظراته الماكرة تحد السرايا
_مش حابب تجدد!
رفع حاجبيه بدهشة فاستطرد الاخير حديثه بتسلية
_السرايا كانت محتاجة تجديد والحيوان ده خدمنا باللي عمله.. وإن كان على التصميم اللي هيتنفذ فأنا بنفسي اللي هصممه..
ثم قال وعينيه الماكرة تجوب الوجوه
انتبهوا جميعا لأصوات بوق السيارات العالي ومن ثم هبط منها رجال أشداء يحملون عدد من الحقائب المغلقة فانتقلت النظرات تجاه آيان الذي قال بابتسامة صغيرة
_وأنا ورجالتي معاك..
اتكأ بمعصمه أرضا ثم انتصب بوقفته ليشير له ساخرا
_نأخد راحة الأول من اللي عشناه ده وبعدين نبتدي مش كده ولا أيه يا رجالة
_صح أنا فعلا محتاج يومين راحة..
ضحك بدر ثم قال ساخرا
_ليه كنت بتحارب ولا جالك اصاپة مستهدفة يابو نسب
لكزه پغضب فدفعهم عبد الرحمن وهو يردد بضيق
_سبكم من الخناق ده وفوقولي جدعان انا ابتديت اقلق من حظي الفقر ده لا بقولكم أيه أنا مش لسه هستناكم لحد ما تجددوا السرايا وتبنوا طوبة طوبة في ايد بعض وجو هنعمر البيئة ده أنا عايز أتجوز ماليش فيه اتصرفوا ان شالله تجوزوني في اوضة في المندارة..
_إحنا في أيه ولا أيه يا عبد الرحمن!
رد عليه آسر بسخط
_مش قولتلك ان الواد ده نهايته قربت وعلى ايدي..
أجابه آيان قائلا
_معلش مهو معذور برضه كل ما فرحه يتحدد يحصل حاجة هوده وجوزه وأهي السرايا بتاعتي موجودة وتحت أمره..
_شوفوا الناس اللي بتفهم..
كان رد آسر الأسرع إليه حينما قربه إليه من تلباب قميصه المهترى ثم قال بصرامة
جادة
_طب اسمع بقى يا خفيف جواز دلوقتي مفيش ولو عايز قراري ده يتغير تبقي تساعدنا وتدعي اننا نخلص كل حاجة بأقرب وقت..
ابتلع ريقه پخوف فقال برعشة مصطنعة
تركه وهو يمنحه نظرة منتصرة ثم أشار له قائلا
_وقتها هقولك..
ثم أشار لهما بتعب
_يالا ندخل نريح شوية..
بالمندارة..
كان الطابق السفلي الذي تم تحضريه سابقا بأرقى أنواع المفروشات والأرائك العتيقة لاستقبال الضيوف ومجالس الرجال مهيئ الآن لإستقبال الرجال بالأسفل والطابق العلوي للنساء ولج الشباب لينضموا إليهم فتمدد كلا منهم على أقرب أريكة إليه فوزع سليم نظراته الساخرة بينهما قبل أن يخبرهما باستهزاء
_لسه محتاجين مجهودكم في اللي جاي أوام اكده سلمتوا نمر!
أجابه عمر وهو يمرر ذراعيه بحنان على ظهر ابنه أحمد
_حرام عليك يا سليم ده لولاهم مكناش خرجنا من هناك وسابونا نريح وهما اللي فضلوا بره لحد دلوقتي..
أردف بدر هو الأخر بعدما استلقى ليضع رأسه على ساق والده
_حملك علينا يا حج ده انتوا لو كنت أجرت رجالة يقوموا بالمهمة دي كنت أكرمتهم مش كده ده احنا حتى لسه عرسان جداد..
تأفف عبد الرحمن لما يتعمد مشاكسته بكلماته الاخيرة ثم استدار بوجهه تجاه فهد ليتساءل باهتمام
لو كسفنا العمالة هنقدر ننجز بدري ولا ايه
منحه فهد نظرة غامضة ثم قال
_ياخدوا الوقت اللي يعوزه المهم انها ترجع احسن من سابق..
نهض آيان عن مقعده وقال وهو يتجه للاعلى
_هجبلكم لبس بدل اللي انتوا لبسينه ده.. رد عليه يحيى باستنكار
_انت اللي نجيت منها بلبسك ومكانك اللي بتنام فيه..
قال أحمد هو الاخر
_احنا مش محتاجين نجدد السرايا بس احنا محتاجين لبس وحاجات كتيرة اوي..
أغلق آسر عينيه باستسلام للنوم وهو يردد بصوت ناعس
_خلاص جددنا السرايا وعملنا كل حاجة ووقفنا على اللبس!
صعد آيان للأعلى حتى
يحضر بعض الملابس للشباب فطرق باب غرفته بحرج شديد لعلمه بأنه من المؤكد بأن الفتيات تسترخي بغرفته ففتحت تسنيم باب الغرفة لتجده يقف أمامها وعينيه موضوعة أرضا فقال دون أن يتطلع لها
_كنت محتاج ادخل الاوضة اجيب شوية حاجات بس..
هزت رأسها في تأكيد
_طبعا اتفضل مفيش غير روجينا وأنا كنت رايحة أشوف البنات..
وغادرت تسنيم لتترك له مساحة خاصة ولج آيان للداخل فوجدها تغفو على الفراش پسكينة منحها نظرة دافئة قبل ان يقترب من خزانته فانتقى منها ما قد يليق بهم ثم كاد بالتوجه للخروج ولكنه توقف حينما استمع لصوتها الرقيق يناديه
_آيان!
استدار بجسده للخلف فوجدها تجلس على الفراش وتتطالعه بنظرة يراها لاول مرة دنى آيان منها حتى جلس لجوارها وعينيه تأبى طرق حدقتيها فوجدهما تلمعان بالدمع وسطور العشق ترتل بحرافية تاه بهما وشعر بأنه مغيب بتلك اللحظة التي مرت من أمام عينيه كالسهم الذي اشعل حواسه وضع يديه على يدها الممدودة وصوت جوارجه يحدثها بصمت..
سأظل لجوراك حتى وإن حاربني شياطين العوالم بأكملها سأحارب حتى وإن لم يكن بجسدي متسع لچرح جديد سأحارب حتى ينحني الجميع إحتراما لعشقي الذي إخترق عواطفي قبل أن يصل قلبي سأحارب مثلما حاربني حبك حتى حصل على قلبي... فحررني من الملك والجاه وإختارت أن أكون عبدا لأجلك.. تركت كل شيء وسأفعل المستحيل حتى لا أترك يدك... فربما أنا الوريث الوحيد والزعيم للمغازية بأكملها ولكني الآن مجرد عاشق لابنة عدو بات أقرب لي من عائلة بأكملها!
تمزقت صفحة الصمت المطولة فيما بينهما حينما قالت والدمع
ينهمر على وجنتها ويدها ترفع يديه المصاپة
_أنا لحد دلوقتي مش قادرة أستوعب اللي شوفته معقول أنت اللي انقذت أبويا من المۏت!
منحها ابتسامة مهلكة ثم رفع يديه الاخرى يحتضن بها وجنتها ليخبرها بصوته الرجولي الرخيم
_قولتلك أنا اتغيرت يا روجينا وبقيت شايف أهلك أهلي..
أشرقت ابتسامتها لتنير وجهها التعيس فطبعت قبلة صغيرة على يديه المصاپة انحنى تجاهها آيان ليقبل وجنتها بحنان فتعلقت به واندثت بأحضانه لدقائق طالت بهما فحاول الابتعاد عنها وهو يهمس لها
_تسنيم ممكن ترجع في أي لحظة وأنا كمان لازم أنزل.
هزت رأسها نافيا لطلبه بالابتعاد عنها فابتسم وهو يضمها اليه فربما يجتاح النساء العواطف والقليل من المشاعر بمواقف غير مناسبة بالمرة وبالرغم من ذلك لم يبتعد عنها بل ضمھا لصدره واحتواها بين ذراعيه حتى غلبها النوم بعد هذا الصراع القاټل الذي تعرض له الجميع فسحبها آيان للوسادة برفق ويديه تمسد فوق خصلات شعرها الطويل بعشق فحمل الملابس ثم رحل بهدوء قبل عودة تسنيم..
بالغرفة التي تبعد عن غرفة روجينا بمسافة ليست بكبيرة..
كانت تتمدد هنية على الفراش ولجوارها ريم ورواية ونادين كانت تحمل لها بعض العصائر المعلبة فانضمت لهن تسنيم وجلست على الاريكة الصغيرة المقابلة للفراش فسألته رواية بقلق
_رؤى بقت كويسة
أجابته بتأكيد
_ايوه بقت افضل هي مع ماسة وحور في الاوضة اللي نحية السلم.. وتالين وخالتو نواره مع والدة عبد الرحمن في الاوضة التانية..
أومأت برأسها بتفهم ثم اسندت رأسها على الفراش مجددا بتعب فقالت نادين بتعمد لما تود الالتفات اليه
_بس اللي آيان عمله كان مفاجآة للكل بجد لولاه كان زمانا كلنا اتفحمنا مع البيت..
أجابتها رواية بقلب مقبوض لمجرد تخيلها وصفها الشنيع
_الحمد لله اننا خرجنا منه على خير..
ثم استطردت بارتباك
_أنا اتفاجئت باللي عمله فعلا بس كنت متوقعة ده بعد ما سمعت كلام فهد..
بحثت ريم عن مغزى ما تود قوله لذا قالت دون تردد
_طب آن الآوان انك انتي وبتك تسامحوه على اللي عمله الواد بقى زين وكلنا شوفنا ده بعنينا..
ردت عليها بتريث
_أنا ممنعتهاش انها ترجعله أو تسامحه صدقيني يا ريم انا ماليش دخل هي اللي حابة كده..
تنحنحت تسنيم بحرج وهي تباغت بقولها المرتبك
_سامحوني لو بقطع كلامكم بس انا حاسة ان بعد اللي حصل أكيد هتقدر تسامحه..
رددت نادين بشك
_ومش روجينا بس اللي هتسامحه فهد كمان وآسر اكيد هينسوا كل حاجة ويمكن اللي حصل ده الخير لينا كلنا..
خرج صوت رواية هامسا بتعب
_يارب يا نادين لاني خلاص معتش متحملة أي حاجة..
لم يكن النهار كافيلا بمنح أجسادهم الراحة اللازمة لبدء العمل لذا قضوا النهار والليل بأكمله وتلك الفترة استغلها رجال آيان المغازي فقاموا بهدم بقايا السرايا حتى تكون الارضية التي قد تصل ل٨٠٠متر لاعادة البناء وقام رجاله أيضا بتوفير الطعام والملابس وما يلزم للمندارة باوامر من آيان لذا كان على الشباب الاستيقاظ باكرا في صباح اليوم التالي فاجتمعوا سويا بقاعة المندارة حتى يتقاسموا المهام فزفر بدر بتأفف
_يعني بعد كل ده وفي الاخر تشيلوني البناية!!
أومأ آسر برأسه ثم قال وعينيه تحدجه بنظرة غامضة
_مش لوحدك آيان معاك...
ردد أحمد پصدمة
_بدر مع آيان!! ما تراجع نفسك يا آسر..
ابتسم بمكر وهو يجيبه
_مهو انت هتكون معاهم عشان يا هتكون بتحجز بينهم يا هتابع العمال وتسبهم ياكلوا في بعض...
رفع بدر حاجبيه بسخط
_هنقطع بعض ليه واخدين افراج من العباسية!
ابتسم ايان ثم رفع يديه حول
كتفي بدر ليشير لآسر باستهزاء
_هو مش واخد باله اننا بقينا زي السمنة على العسل ولا أيه
ابتسم له بدر ثم قال بمزح
_مشافنيش وانا بنط من الدور الاول عشان اساعدك ولا كان مشغول بحالات الاتقاذ...
تعالت ضحكات يحيى ثم قال باستنكار
_يا عم يا عم يعني نخرج
منها احنا طيب حيث كده بقى أنا هعمل أيه..
ارتشف آسر كوب الشاي الساخن من أمامه ثم أجابه
_لا أنت معايا في الاساس وتقسيمة البيت..
رفع يديه بحزم مصطنع
_انت تؤمر يا بشمهندس وربنا يستر والكبير ميقلش مننا قدام المهندسين والنجارين هننزل على الفضائية..
طرق بالكوب على الطاولة وهو يجيبه بصرامة ساخرة
_ليه واقف مع رجل كنبة!..
قطع عبد الرحمن حوارهما المتبادل لساعات مطولة بملل
_وأنا هعمل أيه!
اتجهت جميع النظرات تجاهه وخاصة حينما نهض آسر ليجلس جواره فلف ذراعيه حوله وهو يجيبه بابتسامة واسعة
_أنت هتجيب حاجة السباكة يا عريس..
منحه نظرة غاضبة قبل أن يرد عليه بضيق
_ودي هعملها ازاي ان شاء الله أنا اعرف عدد الحمامات اللي في السرايا دي كلها منين!
غمز له بمشاكسة
_نفكنا من حوار الجواز مدام انت مش عايز تتعب نفسك وتعرف العدد!
زفر بعصبية وهو يحاول كظم غيظة فتابع آسر بمزح
_أنت متضايق ليه